الحوار الهادئ بين الزوجين سبيل للمودة والرحمة

” الحوار الهادئ بين الزوجين سبيل للمودة والرحمة “

             د. عبد الكريم عكيوي

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين محمد وعلى آله وصحبه والتابعين وتابعيهم بإحسان إلى يوم الدين أما بعد:

فإن العالم المعاصر قد تقارب زمانه، وتلاقت جهاته، وانحسرت حدوده وتقلص مكانه، فنقلت أخبار الأمم والشعوب إلى أقطار الأرض كلها، وغدا معرفة أحوال الناس والخبرة بأفكارهم سهل التناول قريب المأخذ. ومن آثار ذلك كثرة التلاقي بين البشر من أقطار الأرض كلها، ويسر التواصل بينهم، فعرفت أديان الناس ومللهم واشتهرت أفكارهم وعقائدهم على اختلافها وتنوعها. ولم يعد للقطرية والقومية الضيقة أثر يذكر، وإنما غدت خطرا يتهدد البشرية، لأن أحوال الحياة وظروف العيش وتطورها حمل الناس بالضرورة والحاجة الملحة على هجر أوطانهم، والتواصل اليومي مع جميع البشر من الموافق لهم في الدين والمخالف، ومن على عاداتهم ومن يناقضها. ففي كل جزء من الأرض يتعايش طوائف من الناس تختلف أفكارهم وانتماءاتهم وهوياتهم وعاداتهم، ولم يعد للفرد من سكان هذا العالم بد من أن يتواصل مع كل طوائف البشر باختلاف أديانهم ومللهم وثقافاتهم. وفي غمرة التفكير في تيسير التواصل بين البشر اهتدى الدارسون والباحثون إلى أن الحوار سبيل ناجع يحفظ للبشرية تنوعها في أفكارها واختلافها في ثقافاتها، ويضبط هذا الاختلاف حتى لا يكون سببا للعداوات وما يلزم عنها من المخاطر التي تهدد أمن الناس المادي والمعنوي.

لقد أصبح ” الحوار ” مصطلحا متداولا في العالم المعاصر في مجالات كثيرة ومستويات عديدة. وكل متحدث في الفكر والثقافة، أو في السياسة والعلاقات الدولية، أو في قضايا الأسرة والاجتماع الإنساني لا يفتأ يقرر ويعيد، ويؤكد ويعيد التأكيد على أن الحوار مسلك حضاري وسبيل لتيسير حياة الناس وضبط التواصل بينهم. فمن جهة التقعيد النظري فإن ضرورة الحوار أصبح قاعدة مقررة وحقيقة راسخة هي محل اتفاق وموضع إجماع عند الجميع.

ورغم هذا الوضوح النظري وبداهة هذه الحقيقة، ومع كون العالم المعاصر أصبح يوصف بأنه بمنزلة قرية صغيرة بسبب يسر التواصل، فإن علامات التدابر والتنازع بين أجزاء العالم لا تخفى، ومظاهر العنف بين الأقارب والأباعد تزيد انتشارا يوما بعد يوم. لقد أصبح تفكك الأسرة من سمات العصر الحاضر وغدا العنف بين الأزواج علامة ظاهرة في كل البلاد من غير اعتبار هنا لمستوى التقدم العلمي ولا التطور الاقتصادي، فتضطرب هنا قواعد التقدم المادي ومعاير التخلف العلمي.

وهذا من غرائب هذا الزمان ومفارقاته العجيبة، فكلما زاد تقارب الزمان بين الناس وتقلصت الحدود والمسافات بينهم زاد التدابر بين قلوبهم واشتد التنافر بين عقولهم، فتحول القرب إلى بعد، وغدا الإقبال إدبارا. وقديما قيل ” رب قرب الأحبة في بعدهم ” ويقال الآن ” إن بعد الناس في قربهم”.

إن سوء العلاقة بين الأزواج وما يترتب عنه من عنف وعداوة، ثم انفراط عقود الزوجية قد ألقى بثقله على حياة الناس وساءت بسببه أحوال المجتمعات فتمزقت الأسر وتشردت الأبناء، وكل ذلك أحدث مفاسد اجتماعية كثيرة، من جريمة وانحراف، وشيوع الأزمات النفسية والاضطرابات العصبية.

في هذا السياق العام والخاص، أصبح “الحوار” من أكثر المواضيع بحثاً، نظراً لأهمية الحوار في عملية الاتصال والتواصل الإنساني ونجاح هذه العلاقات. واعتبر انعدام الحوار بين الزوجين من الأسباب الأولى المباشرة المؤدية إلى الطلاق وفقا لما ورد في دراسات متخصصة كثيرة، وكما يمكن أن يلاحظه المتأمل العادي في أحوال الأسر والعلاقات بين الأزواج.

وقد يكون الأزواج على وعي بفائدة الحوار بينهما، لكن لا فائدة لهذا الوعي في حياتهم اليومية. إن الحوار علم وصناعة، ومنهج له قواعده وأصوله. وبناء على هذا فإن تعلّم “الحوار” وممارسته في الحياة الزوجية والأسرية ضرورة للزوجين لا تقل عن ضرورة الحاجات المادية، فانعدام ثقافة الحوار نوع من الأمية لابد من الحذر منها واتقائها، وإن سوء استعمال الحوار انحراف ينبغي تقويمه وتسديده.

وغرضي في هذا العرض أن أقدم منظورا إسلاميا لمسألة الحوار، مستخلصا من القرآن الكريم والسنة النبوية وسيرة النبي محمد صلى الله عليه وسلم العملية، مما يصلح في نظري منهجا يسعف في ترسيخ

استقرار الأسرة وتثبيت قيم السلم الاجتماعي والأمن البشري، لأن الأسرة السليمة المستقرة شرط أساس للاستقرار النفسي للرجل والمرأة، والاستقرار النفسي للرجل والمرأة شرط الاستقرار الاجتماعي، وأصل ذلك الحوار الهادئ السليم داخل الأسرة.

وأول ما أقرره هنا قبل البدء في التفصيل أن الحوار بين الزوجين، له في القرآن الكريم والسنة النبوية صبغة خاصة ليست لغيره من أنواع الحوار. إن التواصل بين الزوجين والعلاقة الجامعة بينهما قد ألبست – في القرآن الكريم والسنة النبوية – حلل الجمال، وحليت بأثواب الزينة والبهاء، ومزجت بالنفحات الروحية الجميلة، والإشراقات المعنوية القلبية، في توافق مع منطق العقل وانسجام مع حقيقة الحياة والإنسان، مع يسر التطبيق وسهولة الاستعمال.

فهذه هي الدعوى التي أقيمها في هذا العرض على جهة العموم والإجمال، ويأتي الآن تفصيل ذلك وإقامة الحجج والبراهين عليها من خلال بيان موقع الحوار وأنواعه في القرآن الكريم والسنة النبوية، ثم تخصيص البحث بالحوار بين الزوجين.

1 – الحوار وأنواعه في القرآن الكريم والسنة النبوية

إن من يتدبر القرآن الكريم ويقلب النظر في معانيه وموضوعاته يرى أنه كتاب حوار بكل المقاييس، وأن الحوار حاجة إنسانية وجمال للحياة، كل ذلك يفهم من آياته صراحة وتضمنا. ويمكن تفصيل ذلك من خلال المسائل الآتية:

1 – إذا كان من خصائص العصر الحاضر التقارب البشري والتواصل الإنساني، وأن العالم بمنزلة قرية صغيرة واحدة، فإن في القرآن الكريم ما هو أبعد من ذلك. فمن يقرأ القرآن الكريم قراءة التفكر والتدبر يتصور العالم كله عبر الزمان والمكان قرية واحدة. فتاريخ البشرية من أول لحظة في حياة أب البشر إلى نهاية العالم وتوقف الحياة على ظهر الأرض، كل ذلك حاضر جنبا إلى جنب في القرآن الكريم. وإن تنوع أفكار الناس واختلاف عقائدهم وتصرفاتهم وأفعالهم حقيقة راسخة في القرآن الكريم. فمن استوعب خطاب القرآن الكريم وامتزج بقلبه وعقله لابد أن يتهيأ في نفسه وعقله للتعامل مع جميع أصناف البشر على اختلاف عقائدهم ومللهم وأفكارهم وعاداتهم. فهل هناك معنى غير هذا يفهم من قول الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم : ” وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ ” ( يونس 99 ) وقوله تعالى :     ” وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ” (هود 118 – 119 ). وإذا كان الأمر كذلك فالحوار حاجة من حاجات الحياة لأنه الطريق الناجع للتواصل والتعاون بين المختلفين.

– ليس على ظهر الأرض اليوم كتاب غير القرآن والسنة النبوية يجعل جميع الأنبياء بلا استثناء أمة واحدة في مقام واحد وموكب واحد. فليس أحد يتقلد دينا سماويا وينتسب إلى نبي من أنبياء الله تعالى إلى البشر إلا يجد في القرآن تأييدا له من خلال إعلان نبوته وتشريفه وتشريف دعوته وأتباعه. وذلك كثير في القرآن الكريم بما لا يمكن في هذا المقام استقصاؤه. ويكفي من ذلك أن في القرآن الكريم سورة آل عمران، وسورة يونس، وسورة هود، وسورة يوسف، وسورة إبراهيم، وسورة مريم، وسورة نوح، وسورة الأنبياء، وسورة مريم. ففي سورة الأنبياء عرض لموكب الأنبياء عبر الزمان مع دعواتهم وما كان لكل واحد من مظاهر التكريم والتشريف من الله تعالى. فقد ذكر خاتمهم محمدا صلى الله عليه وسلم فقال له : ” وَلَقَدْ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَحَاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُون ” ( الأنبياء : 41 ) فمحمد صلى الله عليه وسلم إنما انتظم في سلسلة الأنبياء والرسل فهو على طريقهم وسنتهم، ونالهم ما نالهم. ثم ذكر موسى وآخاه هارون فقال تعالى : وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى وَهَارُونَ الْفُرْقَانَ وَضِيَاءً وَذِكْرًا لِلْمُتَّقِينَ، الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ وَهُمْ مِنْ السَّاعَةِ مُشْفِقُونَ ” (48 – 49 ). ثم ذكر إبراهيم، ولوطا، ونوحا، وداود، وسليمان، وأيوب، وإسماعيل، وإدريس، وذا الكفل، ويونس، وزكرياء، ثم ختم بعيسى بن مريم وأمه فقال عز من قائل : ” وَالَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهَا مِنْ رُوحِنَا وَجَعَلْنَاهَا وَابْنَهَا آيَةً لِلْعَالَمِينَ ” (91). ثم عقب على ذلك كله ببيان وحدة أصلهم جميعا ووحدة دعوتهم فقال تعالى : ” إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِي” (92). إنه تصوير عجيب لموكب الأنبياء الممتد عبر الزمان والمكان في انسجام وتواصل على تنوع الأقوام والشعوب واللغات والألوان والأقطار. ” قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ”(البقرة:136). وفي هذا المعنى يعلن الرسول صلى الله عليه وسلم انتسابه إلى عيسى بن مريم وانتساب عيسى بن مريم إليه وأن الأنبياء أمة واحدة فقال صلى الله عليه وسلم : ” أنا أولى الناس بعيسى بن مريم، الأنبياء إخوة لعلات، أمهاتهم شتى ودينهم واحد.” [1] ومعنى إخوة لعلات إخوة من أب واحد وأمهات شتى.

وكان لأهل التوراة والإنجيل مقام خاص في القرآن الكريم. فقد مدح كتبهم وأعلى مقامها لأنها وحي منزل من الله فقال تعالى : ” إِنَّا أَنزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ وَكَانُوا عَلَيْهِ شُهَدَاءَ ” (المائدة : 44) وقال عن الإنجيل : ” وَقَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِمْ بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنْ التَّوْرَاةِ وَآتَيْنَاهُ الْإِنجِيلَ فِيهِ هُدًى وَنُورٌ وَمُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنْ التَّوْرَاةِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ” (المائدة : 46 ). وخصهم بلقب تشريف وتكريم فيناديهم ب ” أهل الكتاب ” وفي ذلك من التكريم ما لا يخفى. وفي القرآن الكريم نداء لأهل الكتاب إلى الوقوف موقف العدل والمساواة من أجل التزام القيم المشتركة بينهم وبين أهل الإسلام، وعمدتها عبادة الله تعالى وحده وعدم الإشراك به، وحفظ حرمات الجميع من غير تمييز. وما وراء ذلك مما اختلف فيه فلكل موقفه يعلنه من غير استفزاز للآخر وإنما احترام واعتراف بحق الاختلاف. وهذا إعلان صريح للحوار الجاد ولشروطه وضوابطه وهي الاعتراف والاحترام والعدل. قال تعالى : ” قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ “( آل عمران:64)   وزاد القضية توضيحا فأمر بالحوار معهم على قواعد التقدير و الاحترام فقال تعالى : ” وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ” ( العنكبوت46).

– إن من يقرأ قول الله تعالى ” يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ ” (الحجرات 13 ). وقوله عز وجل ” قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنْ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قُلْ اللَّهُ وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ ” (سبأ 24 ). إن من يستوعب هذا الخطاب بفكره وقلبه لن يملك سوى فتح فكره للحوار والتواصل، لأنه – من خلال هذه الآيات – يرى تنوع البشر جمالا وبهاء، وآية دالة على الله تعالى معرفة بخلقه كما أخبره وبحكمته كما تجري في الحياة.

– أما السنة النبوية وسيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم العملية فهي حافلة بقيم التواصل ساطعة بمنهج الحوار في مستويات مختلفة ودرجات متنوعة. أما في مجال السياسة فقد حاور في مفاوضاته السياسية مع خصومه. ويكفي من ذلك ما حصل في مفاوضات صلح الحديبية في السنة السادسة للهجرة، فلولا حكمته صلى الله عليه وسلم وحسن تدبيره للحوار ومراعاته لشروطه وآدابه – على رغم ما يبدر من محاوره من الجفاء مرة بعد مرة – لولا ذلك لتحركت نوازع الخصومة واشتد لهيب القتال وحمي وطيس الحرب. وأول ما يلاحظ من آداب الحوار وشروطه في هذه الحدث الاستعداد النفسي والتهيؤ للحوار وهذا ما يؤخذ من قوله : ” وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَا يَسْأَلُونِي خُطَّةً يُعَظِّمُونَ فِيهَا حُرُمَاتِ اللَّهِ إِلَّا أَعْطَيْتُهُمْ إِيَّاهَا” وهو رصد دقيق للمقصد العام الذي هو محل اتفاق بينه وبين قريش والذي على أساسه يمكن الاجتماع والتعاون. و بعثت قريش إليه رجلا من كنانة فلما رآه قادما قال لأصحابه : ” هَذَا فُلَانٌ وَهُوَ مِنْ قَوْمٍ يُعَظِّمُونَ الْبُدْنَ فَابْعَثُوهَا لَهُ فَبُعِثَتْ لَهُ وَاسْتَقْبَلَهُ النَّاسُ يُلَبُّونَ فَلَمَّا، رَأَى ذَلِكَ قَالَ سُبْحَانَ اللَّهِ مَا يَنْبَغِي لِهَؤُلَاءِ أَنْ يُصَدُّوا عَنِ الْبَيْتِ. فَلَمَّا رَجَعَ إِلَى أَصْحَابِهِ قَالَ رَأَيْتُ الْبُدْنَ قَدْ قُلِّدَتْ وَأُشْعِرَتْ فَمَا أَرَى أَنْ يُصَدُّوا عَنِ الْبَيْتِ.” وفي هذا منهج دقيق في فن الحوار وهو مراعاة ميول الطرف الآخر. ولما رأى سهيل بن عمرو قادما قال :” لَقَدْ سَهُلَ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ ” وفيه التفاؤل بالأسماء وغيرها مثل الأماكن ومواطن الجلوس للحوار، كل ذلك اعتبارا للجانب النفسي والمعنوي في الحوار. أما الشؤم فممنوع محرم في كل شيء. وفي حوار النبي صلى الله عليه وسلم مع سهيل بن عمرو، وبعد الاتفاق على بنود الصلح حصل اختلافهم في صياغة ديباجة المعاهدة ففي نص الخبر عند البخاري ” فَدَعَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْكَاتِبَ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِسْم اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ قَالَ سُهَيْلٌ أَمَّا الرَّحْمَنُ فَوَ اللَّهِ مَا أَدْرِي مَا هُوَ، وَلَكِنِ اكْتُبْ بِاسْمِكَ اللَّهُمَّ كَمَا كُنْتَ تَكْتُبُ. فَقَالَ الْمُسْلِمُونَ وَاللَّهِ لَا نَكْتُبُهَا إِلَّا بِسْم اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ. فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اكْتُبْ بِاسْمِكَ اللَّهُمَّ. ثُمَّ قَالَ هَذَا مَا قَاضَى عَلَيْهِ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ، فَقَالَ سُهَيْلٌ وَاللَّهِ لَوْ كُنَّا نَعْلَمُ أَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ مَا صَدَدْنَاكَ عَنِ الْبَيْتِ وَلَا قَاتَلْنَاكَ، وَلَكِنِ اكْتُبْ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْد ِاللَّهِ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاللَّهِ إِنِّي لَرَسُولُ اللَّهِ وَإِنْ كَذَّبْتُمُونِي اكْتُبْ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ.” [2] وفي هذا مراعاة عقيدة الطرف الآخر والتعامل معه على أساس ذلك. فالرسول صلى الله عليه وسلم هنا قبل من سهيل بن عمرو قوله ” أما الرحمن فو الله ما أدري ما هو ” لأنه صادق في نفسه، وإن لم يكن كذلك في حقيقة الأمر. وقبل منه عدم اعترافه بنبوته وهو كذلك في خاصة نفسه، وليس كذلك في واقع الأمر ، فتم العدول إلى صيغة هي محل اتفاق و ليس فيها ما يستفز مشاعر أحد من الطرفين. فهذا نموذج من الحوار السياسي.

وأما الحوار بين الأديان السماوية الثلاثة فقد انطلق لأول مرة في مجلس الرسول صلى الله عليه وسلم فقد روى ابن إسحاق عن ابن عباس قال اجتمعت نصارى نجران وأحبار يهود عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فتنازعوا عنده فقالت الأحبار ما كان إبراهيم إلا يهوديا، وقالت النصارى ما كان إلا نصرانيا. فقال رجل من الأحبار: أتريد يا محمد أن نعبدك كما تعبد النصارى عيسى بن مريم ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : معاذ الله أن أعبد غير الله، أو آمر بعبادة غيره وما ذلك بعثني ولا أمرني. وفي هذا نزل قول الله تعالى :” يا أهل الكتاب لم تحاجون في إبراهيم …ولي المؤمنين ” (آل عمرن : 65 – 68 ). ففي ” الحضرة النبوية كما ترى بدأ الحوار بين الأديان الثلاثة دون خوف أو وجل، بل بحجة ودليل…ولم يكن لاستغلال سياسي أو لدعاية يقتنص فيها الضعفاء ويستغل فيها الفقراء. [3] وجاءت وفود النصارى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل نصارى نجران وحاوروه وناقشوه، وكان يحسن ضيافتهم ويكرم وفادتهم بالجوائز والهدايا ويقبل منهم الهدايا، ويسألهم عن أحوالهم، ويوصي من يقوم بخدمتهم من المسلمين. وحتى لا يطول بنا الموقف أقتص موقفا واحدا ينطق بالعبر والدلالات في موضوع الحوار الهادئ أذكره من غير تعليق لأنه كاف بنفسه. ذكر ابن إسحاق عن محمد بن جعفر بن الزبير قال : لما قدم وفد نجران على رسول الله صلى الله عليه وسلم، دخلوا عليه مسجده بعد صلاة العصر، فحانت صلاتهم، فقاموا يصلون في مسجده فأراد الناس منعهم، فقال رسول الله دعوهم، فاستقبلوا المشرق فصلوا صلاتهم” .[4] وكان لجعفر بن أبي طالب حوار عظيم مع النجاشي ملك الحبشة وكانت تدين بالنصرانية، روعيت فيه أسمى آداب الحوار، وكان من فائدته أن أقام نحو مائة من المسلمين بأرض الحبشة بين النصارى، فكانوا في خير جوار مدة خمسة عشر عاما، وبقيت ذكريات تلك السنين راسخة في أذهانهم يروونها للأجيال نماذج رائعة للحوار والتعايش بين المسلمين وأهل الكتاب. وما كان ذلك ليتم لولا رسوخ الحوار بينهم وبين نصارى الحبشة وتنظيم التواصل بينهم.

أما الحوار الداخلي بين طوائف المجتمع وعامة الناس فقد رسخه الرسول صلى الله عليه وسلم بالمدينة بعد الهجرة فوضع أسس التعامل بين المسلمين واليهود باعتبارهم مواطنين في دولة المدينة. فنص في وثيقة المدينة على أن ” للمسلمين دينهم ولليهود دينهم “. وفي المجال التفصيلي العملي وضع صلى الله عليه وسلم إجراءات جزئية عملية تراعى في الحوار والتواصل بين المسلمين واليهود حتى لا تستفز المشاعر بسبب اختلاف العقائد والأفكار. وخلاصته ضبط الخطاب المستعمل للتواصل في الحياة العامة والأماكن العمومية التي يجتمع فيها المسلمون مع اليهود مثل الأسواق وغيرها. فيحذر كل فريق من استفزاز مشاعر غيره ولو كان ما ينطق به حقا عنده. ودليل ذلك موقف عظيم روته أصح كتب الحديث عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ بَيْنَمَا يَهُودِيٌّ يَعْرِضُ سِلْعَةً لَهُ أُعْطِيَ بِهَا شَيْئًا كَرِهَهُ أَوْ لَمْ يَرْضَهُ،ِ قَالَ: لَا وَالَّذِي اصْطَفَى مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام عَلَى الْبَشَرِ، فَسَمِعَهُ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ فَلَطَمَ وَجْهَهُ قَالَ تَقُولُ وَالَّذِي اصْطَفَى مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام عَلَى الْبَشَرِ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ أَظْهُرِنَا. فَذَهَبَ الْيَهُودِيُّ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ يَا أَبَا الْقَاسِمِ إِنَّ لِي ذِمَّةً وَعَهْدًا، وَقَالَ : فُلَانٌ لَطَمَ وَجْهِي، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِمَ لَطَمْتَ وَجْهَهُ ؟ قَالَ قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَالَّذِي اصْطَفَى مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام عَلَى الْبَشَرِ وَأَنْتَ بَيْنَ أَظْهُرِنَا، قَالَ فَغَضِبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى عُرِفَ الْغَضَبُ فِي وَجْهِهِ، ثُمَّ قَالَ لَا تُفَضِّلُوا بَيْنَ أَنْبِيَاءِ اللَّه،ِ فَإِنَّهُ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَيَصْعَقُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّه، قَالَ ثُمَّ يُنْفَخُ فِيهِ أُخْرَى فَأَكُونُ أَوَّلَ مَنْ بُعِثَ أَوْ فِي أَوَّلِ مَنْ بُعِثَ فَإِذَا مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام آخِذٌ بِالْعَرْشِ فَلَا أَدْرِي أَحُوسِبَ بِصَعْقَتِهِ يَوْمَ الطُّورِ أَوْ بُعِثَ قَبْلِي وَلَا أَقُولُ إِنَّ أَحَدًا أَفْضَلُ مِنْ يُونُسَ بْنِ مَتَّى عَلَيْهِ السَّلَام. [5] وفي لفظ آخر قال النبي صلى الله عليه وسلم : ” لا تخيروني على موسى ” فنجد هنا النبي صلى الله عليه وسلم نهى المسلمين عن تخييره على موسى فلا يقولوا : ” محمد خير من موسى ” وليس ذلك لأنه ليس كذلك، وإنما رعاية لليهود ولئلا تستفز مشاعرهم.

وفي مواقف كثيرة تجد الرسول صلى الله عليه وسلم يراعي وجود اليهود بالمدينة فينطق بما هو محل اتفاق بينهم وبين المسلمين ويعلنه على رؤوس الأشهاد حتى يبقى الحوار الهادئ سيد الموقف، تأليفا للقلوب وحفظا للوحدة في مجتمع المدينة الذي هو مجتمع المسلمين واليهود. من ذلك مثلا ما روى ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِي اللَّه عَنْهمَا قَالَ خَرَجَ عَلَيْنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا قَالَ :” عُرِضَتْ عَلَيَّ الْأُمَمُ وَرَأَيْتُ سَوَادًا كَثِيرًا سَدَّ الْأُفُقَ فَقِيلَ هَذَا مُوسَى فِي قَوْمِهِ.” [6] ومنه حديث أَنَسٍ رَضِي اللَّه عَنْه قَالَ كَانَ غُلَامٌ يَهُودِيٌّ يَخْدُمُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَمَرِضَ فَأَتَاهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعُودُهُ فَقَعَدَ عِنْدَ رَأْسِهِ فَقَالَ لَهُ أَسْلِمْ فَنَظَرَ إِلَى أَبِيهِ وَهُوَ عِنْدَهُ فَقَالَ لَهُ أَطِعْ أَبَا الْقَاسِمِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَسْلَمَ فَخَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَقُولُ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْقَذَهُ مِنَ النَّارِ “. [7] ولا يمكن لكل هذا أن يتم لولا الحوار الهادئ بين الطرفين القائم على الاحترام المتبادل. ومنه أيضا حديث عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ أَبِي لَيْلَى قَالَ كَانَ سَهْلُ بْنُ حُنَيْفٍ وَقَيْسُ بْنُ سَعْدٍ قَاعِدَيْنِ بِالْقَادِسِيَّةِ فَمَرُّوا عَلَيْهِمَا بِجَنَازَةٍ فَقَامَا، فَقِيلَ لَهُمَا إِنَّهَا مِنْ أَهْلِ الْأَرْضِ، أَيْ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ فَقَالَا إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّتْ بِهِ جِنَازَةٌ، فَقَامَ فَقِيلَ لَهُ إِنَّهَا جِنَازَةُ يَهُودِيٍّ، فَقَالَ أَلَيْسَتْ نَفْسًا؟” [8] ونجد الحوار بين يهودية وبين عائشة أم المؤمنين في البيت النبوي عَنْ عَائِشَةَ رَضِي اللَّهم عَنْهَا أَنَّ يَهُودِيَّةً دَخَلَتْ عَلَيْهَا فَذَكَرَتْ عَذَابَ الْقَبْرِ فَقَالَتْ لَهَا أَعَاذَكِ اللَّهُ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ. فَسَأَلَتْ عَائِشَةُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ عَذَابِ الْقَبْرِ فَقَالَ نَعَمْ عَذَابُ الْقَبْرِ، قَالَتْ عَائِشَةُ رَضِي اللَّه عَنْهَا فَمَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدُ صَلَّى صَلَاةً إِلَّا تَعَوَّذَ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ.[9]

ومن منهجه أيضا اتقاء شر الطرف الآخر عن طريق دفع السيئة بالحسنة، والانصراف إلى المهمات وعدم الالتفات إلى الجزئيات التي يؤول تتبعها إلى إثارة العداوات وتحريك الخلافات. مثال ذلك ما روت عَائِشَةَ رَضِي اللَّه عَنْهَا زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ دَخَلَ رَهْطٌ مِنَ الْيَهُودِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالُوا السَّامُ عَلَيْكُمْ، قَالَتْ عَائِشَةُ فَفَهِمْتُهَا فَقُلْتُ وَعَلَيْكُمُ السَّامُ وَاللَّعْنَةُ. قَالَتْ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَهْلًا يَا عَائِشَةُ، إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الرِّفْقَ فِي الْأَمْرِ كُلِّهِ. فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَوَلَمْ تَسْمَعْ مَا قَالُوا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ قُلْتُ وَعَلَيْكُمْ.” [10]

أما حوار النبي صلى الله عليه وسلم مع عامة المسلمين فذلك واضح جدا لا يحتاج إلى تنصيص وإنما أقتص مثالا جامعا. عن أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ قَالَ إِنْ كَانَتِ الْأَمَةُ مِنْ إِمَاءِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ لَتَأْخُذُ بِيَدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَتَنْطَلِقُ بِهِ حَيْثُ شَاءَتْ. [11] فإذا كانت الأمة تمسك به صلى الله عليه وسلم فتنطلق به حيث شاءت، فما ذلك إلا لسعة صدره وتواضعه وإقباله على الناس جميعا وحسن استماعه إليهم، وكل ذلك من آداب الحوار وشروطه.

فهذه كلها شواهد تدل على أن الحوار حاضر بقوة في القرآن الكريم والسنة المشرفة والسيرة العملية لرسول الله صلى الله عليه وسلم. وهو حوار في مجالات الحياة المختلفة ومع جميع الأصناف، فهناك حوار سياسي يتم عن طريق التفاوض لوضع ميثاق للعمل المشترك وترسيخ عهد للضبط التعامل بين المسلمين وغيرهم، وحوار بين الأديان السماوية الثلاثة على المستوى العلمي الثقافي، وحوار داخلي بين طوائف الدولة ومواطنيها، وحوار عام بين عامة المسلمين في حياتهم العامة العملية. وقبل جميع هذه الأنواع ومعها وبعدها يأتي الحوار داخل الأسرة وخاصة بين الزوجين، وهو حوار يرشح له كل مسلم وكل مسلمة، لأنه لا يتصور رجل من غير زوجة ولا امرأة من غير زوج تحت عهد ميثاق الزوجية المقدس.

2 – الحوار بين الزوجين منهج إسلامي راسخ

 

إن الحوار بين الزوجين ليس مجرد شكل من أشكال التواصل الظاهري ولا مجرد تقنيات خاصة في التعبير بالكلام وبالإشارة وجميع أصناف الخطاب، وإنما الحوار بينهما أعظم من ذلك وأكبر، لأن الإجراءات الشكلية والتقنيات التواصلية ليست سوى أشكالا خارجية تترجم عن جوهر الحوار ولبه روحه. الحوار بين الزوجين ليس شكلا للكلام والمفاوضة إنما هو محطة متصلة بغيرها من محطات الحياة الزوجية، وتعبير عملي عن فلسفة الحياة. ولهذا فإن للحوار بينهما أصولا عقدية، بل هو تجل لها وترجمة لحقيقة الحياة والكون كما يعتقدها الزوجان. ولهذا نجد في القرآن الكريم ربط الزواج والعلاقة الزوجية بأصل العقيدة. ومعنى هذا أن الحوار بين الزوجين له أصول عامة وقواعد كلية يقوم عليها ويستقيم بها لابد من استيعابها أولا لتبقى حاضرة في أذهان الزوجين يصدران عنها في كل لحظات حياتهما وخاصة في لحظة الحوار.

أ – أصول الحوار النظرية وقواعده الكلية

ومعنى أصول الحوار النظرية وقواعده الكلية، الأفكار والعقائد الإسلامية التي تلازم الزوجين وتبقى حاضرة في العقل والقلب، فتوجه حياتهما وتضبط التواصل بينهما وتعطي لاقترانهما معنى الجمال وتمنحه معناه وغايته. فليس سواء من الأزواج من يعيش مستحضرا هذه الأصول ومن يغفل عنها. وهي من لوازم العقيدة الإسلامية القائمة على الإيمان بالله تعالى وتوحيده وعدم الإشراك به، ومعرفة أسمائه الحسنى وصفاته العليا، وسائر عناصر الإيمان من الإيمان بملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره. ويمكن جمع هذه الأصول في أصلين اثنين هما : 1 – التزاوج آية من آيات الله 2 – الزواج عهد عظيم وميثاق غليظ.

1- التزاوج آية من آيات الله تعالى: وهذا الأصل ظاهر في القرآن الكريم في آيات كثيرة نكتفي منها بقول الله تعالى : ” وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ .” (الروم : 21) إن هذه الآية شعار كل زوج وزوجة لأنها تضمنت أصلا عظيما للمعاشرة الزوجية والتواصل بين الزوجين، وأضفت على اقتران الزوجين صبغة الجمال ومنحته حلل البهاء. وأول ما يثير الانتباه فيها، هذا المعجم اللغوي المختار بحكمة، المعبر عن القيم المعنوية التي تسمو بها القلوب وترق بها النفوس وتستقيم بها العقول في نظرها وتفكيرها. فكل هذه الألفاظ تحمل معاني الرقة وآيات البهاء المعنوي والجمال الروحي والسمو العقلي. ففيها ” الآيات ” وهي العلامات الدالة على الله تعالى المعرفة بقدرته ورعايته وعنايته لخلقه. وفيها ” النفس ” وهي قوة معنوية عجيبة بل هي من أشرف ما في الإنسان. وفيها   “التزاوج ” وهو الاقتران المادي والمعنوي. والزوج هو الشيء الذي يقترن بنظيره على جهة الانسجام فيصيران كأنهما شيء واحد. وفيها ” السكن ” وهو الراحة الجسدية والاطمئنان القلبي والاستقرار النفسي. وفيها ” المودة ” وهي التعلق القلبي والميل النفسي الذي يرسخ قوة الحب وعمق المحبة، فالمودة من أٍرقى درجات الحب. وفيها ” الرحمة ” وهي صفة قلبية وحالة نفسية تبعث على حسن العشرة وجميل المعاملة. وفيها : ” التفكر ” وهو من جمال العقل وزينة الفكر. ومعنى قوله تعالى هنا : وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا ” أن الله تعالى – رحمة بخلقه وحجة عليهم – يعرفهم بنفسه ويدلهم عليه من خلال ما يعرض أمام أعينهم من مظاهر قدرته وعلامات ربوبيته وإشارات ألوهيته وإعلانات تدبيره. ومنها هذا النظام العام المطرد في حياة الإنسان على ظهر الأرض، وهو نظام الازدواج وكينونة العائلة وأساس التناسل، وهو نظام عجيب جعله الله مرتكزاً في الخلقة وسنة في الجبلة لا يشذ عنه إلا الشواذ. وقد انتظمت هذه الآية في سورة الروم في سياق آيات كثيرة تعرف بالله تعالى وقدرته من خلال معرض الكون العجيب من السماوات والأرض، وعملية الإحياء والإماتة في كل لحظة من لحظات الحياة، واختلاف الألسنة والألوان، وتعاقب الليل والنهار وغيرها من الآيات المبثوثة في الكون من أصغر أجزائه إلى أكبرها من الذرات إلى المجرات. فالتزاوج آية من آيات الله لأنه قانون لا دخل للإنسان فيه، وإنما الله تعالى جعل للإنسان ناموس التناسل، وجعل تناسله بالتزاوج، ولم يجعله كتناسل النبات من نفسه،       و جعل أزواج الإنسان من صنفه، ولم يجعلها من صنف آخر لأن التأنس لا يحصل بصنف مخالف. ومنها خلق جوهر الصنفين من الإنسان: صنف الذكر، وصنف الأنثى، وإيداع نظام الإقبال بينهما وتعلق بعضهما ببعض وانجذاب بعضهما إلى بعض.

وفي قوله : ” من أنفسكم ” تصوير جميل وتعبير بديع عن معنى الانسجام والتكامل بين الرجل والمرأة. فقوله ” خلق لكم من أنفسكم ” يعني : من جنسكم ونوعكم، فجميع الأزواج من نوع الناس. وقيل خَلق حواء من ضلع آدم، فهي من أنفسنا يعني قطعة منا وهو المعنى نفسه. ومن آثار هذا الامتزاج بين الصنفين ما يلاحظ ويحس من الانجذاب القلبي والميل الشهوي من كل صنف إلى الصنف الآخر. ومعنى هذا أن الذكورة ليست نقيض الأنوثة، إنما الذكورة والأنوثة ضرورتان متكاملتان كتكامل الليل والنهار، وهما آيتان يستقبلهما الناس جميعاً. فكما يحتاج إلى الليل والنهار ولا يبحث عن وجه التفاضل بينهما، فكذلك الذكر والأنثى. إن للنهار جماله الخاص ولليل جماله الخاص، لكن جمال كل واحد منهما متوقف على الاقتران بمقابله. ولهذا امتن الله على عباده بتعاقب الليل والنهار، وعد دوام أحدهما دون الآخر شقاء وعذابا فقال تعالى : قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ اللَّيْلَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِضِيَاءٍ أَفَلَا تَسْمَعُونَ قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ النَّهَارَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ أَفَلَا تُبْصِرُونَ ” (القصص 71 – 72 ) وذلك لأن جمالهما وفائدتهما في اقترانهما، ومثل الذكورة والأنوثة. ولعل هذا المعنى الجميل هو المقصود من الجمع بين الليل والنهار والذكر والأنثى في قوله تعالى : ” وَٱلْلَّيْلِ إِذَا يَغْشَىٰ وَٱلنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّىٰ وَمَا خَلَقَ ٱلذَّكَرَ وَٱلأُنثَىٰ إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّىٰ “. إن هذا هذا التزاوج هو الذي يمنح حياة الإنسان جمالها وزينتها.

ثم بين ربنا تعالى الغاية الجميلة المرجوة من هذا التزاوج في قوله ” لتسكنوا إليها ” والسكون هنا بمعنى راحة البدن وطمأنينة النفس. فكل واحد من الزوجين سكن للآخر، فالزوج سكن وراحة وطمأنينة وأنس ولباس للزوجة، وكذلك الزوجة سكن وراحة وطمأنينة وأنس ولباس للزوج يأوي كل واحد منهما للآخر. وعدي ب” إلى ” فقال ” لتسكنوا إليها ” ليحمل معنى الميل والانجذاب.
ومما يثبت هذا التزاوج ويقوي هذا الانجذاب والسكون ما زين الله تعالى به قلوب الزوجين من المودة والرحمة. أما المودة فهي قوة المحبة. ومن عجيب أمر المودة أنها هبة ومنحة، ولا تبذل أو تقتنى

بمال، ولا تصنع وليست طوع يمين الإنسان يهبها أو ينتزعها. أما الرحمة فهي غاية الأمر ومنتهى هذه الصفات، لأن السكون والمودة قد تكون بسبب جمال الصورة وقوة البدن وكثرة المال. فإذا

ذهب الجمال، وضعف الجسد، وفقد المال، فالرحمة تسعهما.

فكل هذا آية من آيات الله يقف عنده العقل بإعجاب يُورث يقيناً بحكمة الخالق تبارك وتعالى.    ” إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون”.

2– الزواج ميثاق غليظ : فهذه هي صفة الزواج وحقيقة اقتران الزوجين. فهو ليس لقاء عابرا، ولا نزوة زائلة، ولا صحبة متروكة لتقلبات الأيام وخاضعة لميول النفس الإنسانية. إنه عهد عظيم وميثاق غليظ. بهذا وصفه الله تعالى في محكم تنزيله فقال عز من قائل : ” وقد أفضى بعضكم إلى بعض وأخذن منكم ميثاقا غليظا.” ومن عظم قدر الزواج أنه يتم بأمر الله تعالى وتحت رعايته وعنايته، وتطبيقا لشريعته وأمره. وهذا المعنى هو الذي عبر عنه الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع وهو يخطب في الناس في نحو مائة ألف من الصحابة فيوصي الرجال بالنساء فيقول : ” فاتقوا الله في النساء واستوصوا بهن خيرا…وإنكم أخذتموهن بأمان الله، واستحللتم فروجهن بكلمة الله، فاعقلوا أيها الناس واسمعوا قولي فإني قد بلغت.” ففي تذكيره صلى الله عليه وسلم بهذا الأصل في مقام الوصية بالنساء دليل على أن حفظ هذا الأصل واستحضاره هو الحافظ للأسرة المسلمة.

ومن شرف الزواج أيضا وثقل معناه وعظم شأنه، أن اقتران الزوجين فيه بأجسادها وقلوبهما، بسبب القوى المعنوية التي تلتبس بقلوبهما من السكن والمودة والرحمة، وهذا فيه إظهار لقدرة الله تعالى وتجل لأسمائه الحسنى. إن صفة الرحمة التي تزين حياة الزوجين، إنما هي من آثار رحمة الله تعالى ومن تجليات اسم الله الرحمن واسمه الرحيم. لأن أسماء الله الحسنى تتجلى آثارها الجميلة في الكون في كل لحظة. وإن كل ما يشاهد من آثار الرحمة والشفقة والحدب في عالم المخلوقات إنما هو قبس يسير من رحمة الله أرسله في الكون ليجمله ويزين حياة المخلوقات. وهذا المعنى هو الذي أفصح عنه الرسول صلى الله عليه وسلم بقوله : ” جعل الله الرحمة مائة جزء فأمسك عند تسعة وتسعين وأنزل في الأرض جزء واحدا، فمن ذلك الجزء يتراحم الخلق حتى ترفع الفرس حافرها عن ولدها خشية أن تصيبه” [12] فما يجده الزوجان من الرحمة والرقة نحو بعضهما إنما هو لمعة من لمعات رحمة الله من جزء واحد من رحمة الله الذي أرسله في الكون. ولتقدير هذه المنة ليتصور حياة الإنسان لو أزيل هذا الخيط من الرحمة من القلوب.

فهذه الأصول والقواعد تثبت أن الله تعالى شرف ميثاق الزوجية، لما عده ميثاقا غليظا يتم تحت رعايته وأمره، وألبسه لباس الجمال والبهاء لما جمله بلمعات أسمائه الحسنى وتجليات صفاته العليا.

ومن استحضر هذه الأصول ووعاها، وأشرب معناها، لم يستجز لنفسه أن يستصغر ما عظم الله ويحتقر ما شرف الله، ولم يحتمل أن يدنس ما جمل الله. فمن عرف أن اقترانه بزوجه تتجلى فيه آثار رحمة الله، وتظهر منه تجليات صفات الله تعالى، وأن هذا الاقتران إعلان يعلنه الله تعالى على رؤوس الأشهاد، ويمن به في كتابه المنزل، ويعرضه في معرض الكون العجيب، ويباهي به خلقه ويمتن به على الإنس من عباده – من عرف هذا – استحيى أن يشوه هذا الجمال بقطع دابر الأسرة، وقلب الرحمة عداوة والمودة خصومة، والوصال تدابرا، وإنما يحرص أشد الحرص على حفظه وصيانته، لأنه يذكره بالله تعالى ويذيقه جمال تجليات أسمائه الحسنى لما يذوق بسببه وعن طريقه من اللذة الروحية الناشئة عن الرحمة التي يجدها في قلبه، والتي هي قبس من رحمة الله، فيتوجه بالمحبة إلى الله تعالى الذي منحه جمال هذه اللذة، ثم يتوجه بالتبع واللزوم بالمحبة إلى زوجه ( يشمل الرجل والمرأة) لأنه عن طريقه وبسببه يمن الله عليه وبهذا الجمال الروحي والنفسي. فعلى هذا المعنى وتحت هذه الأصول تكون محبة الزوج لزوجه من محبة الله وطريقا موصلا إلى مرضاته، لأن كل زوج يحب زوجه على أنه هدية أنيسة من هدايا الرحمة الإلاهية، يتقرب به ومعه إليه تعالى، وكل ما يذكر بالمحبوب ويقرب إليه فإنه محبوب.

ثم إن هذا الاقتران يتوجه به إلى الدار الآخرة، فيكون كل زوج طريقا للآخر إلى رضوان الله ونعيمه المقيم حيث السعادة الغامرة التي هي الغاية المرجوة من الحياة على ظهر الأرض.

وفي هذا المعنى قول الرسول صلى الله عليه وسلم :” وفي بضع أحدكم صدقة، قالوا يا رسول الله أيأتي أحدنا شهوته فيكون له فيها أجر. قال أرأيتم لو وضعها في حرام أيكون عليه وزر ، قالوا نعم، قال : فكذلك.” ويقول الله تعالى :” وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ ” (الطور : 21) ويقول تعالى : ” الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ يَاعِبَادِ لَا خَوْفٌ عَلَيْكُمْ الْيَوْمَ وَلَا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا مُسْلِمِينَ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ أَنْتُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ تُحْبَرُونَ. ” (الزخرف: 67 – 70 ).

فمعرفة هذه الأصول واستيعابها واستحضارها محطة ضرورية سابقة، تأتي بعدها عملية الحوار بين الزوجين لحفظ سؤدد العلاقة الزوجية وصيانة جماله الذي جمله الله به، وحفظ مقامه الذي شرفه الله به. وعلى هذا تكون للحوار وجهته ومعناه، ويعتبر ضرورة عند الزوجين لأنه ملجؤهما عن الملمات، كما أنه مؤنسهما في الأحوال العاديات.

وقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم يذكر المرة بعد المرة بهذه الأصول والقواعد حتى بقى ملازمة للأزواج، وفي الوقت نفسه يشرع صلى الله عليه وسلم ضوابط الحوار وآدابه بأقواله وأعماله وتصرفاته في اليوم والليلة، وهذا ما نروم بيانه في المسألة الموالية وهي :

ب – الحوار بين الزوجين وأنواعه:

إن الحوار بين الزوجين حاجة شرعية وفائدة تقضي بها بداهة العقل وتؤيدها الخبرة البشرية عبر الزمان والمكان. فهو وسيلة ناجحة للتعبير عن المشاعر والخواطر والأفكار، و به تتقارب وجهات النظر وتتسع المفاهيم والمدركات. فهو جمال للحياة الزوجية في السراء والضراء. ولهذا رسخه الرسول صلى الله عليه وسلم في سيرته ومعاشرته لأزواجه. ومن خلال سيرته يمكن تقسيم الحوار بين الزوجين إلى نوعين أحدهما الحوار العام وثانيهما الحوار الخاص. أما الحوار العام فهو الذي يأتي تلقائيا ويكون القصد منه تثبيت المودة وترسيخ التواصل، ويحصل كلما التقى الزوجان متحرران كلاهما من المشاغل والشواغل، فيبادر أحدهما بفتح حوار في مجال يختار بحسب المقام والظروف والمناسبة الزمنية أو المكانية. وهذا النوع من الحوار حاضر بقوة في السيرة النبوية، فقد كان بيت النبي صلى الله عليه وسلم فضاء للحوار في كل وقت حتى في الظروف العادية. ويكون هو المبادر وقد تكون زوجته. ومن أمثلة مبادرة أزواجه ما كانت تفعله أم سلمة رضي الله عنها فكانت تحدثه صلى الله عليه وسلم خاصة عن ذكرياتها وذكريات الصحابة الذين هاجروا إلى الحبشة وقد كانت منهم. من ذلك ما روت عَائِشَةَ أَنَّ أُمَّ سَلَمَةَ ذَكَرَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَنِيسَةً رَأَتْهَا بِأَرْضِ الْحَبَشَةِ يُقَالُ لَهَا مَارِيَةُ فَذَكَرَتْ لَهُ مَا رَأَتْ فِيهَا مِنَ الصُّوَرِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُولَئِكَ قَوْمٌ إِذَا مَاتَ فِيهِمُ الْعَبْدُ الصَّالِحُ أَوِ الرَّجُلُ الصَّالِحُ بَنَوْا عَلَى قَبْرِهِ مَسْجِدًا وَصَوَّرُوا فِيهِ تِلْكَ الصُّوَرَ أُولَئِكَ شِرَارُ الْخَلْقِ عِنْدَ اللَّهِ.”[13] وفي رواية عائشة عن أم سلمة وقولها” أَنَّ أُمَّ سَلَمَةَ ذَكَرَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَنِيسَة ” دليل على أنه بحضورها، ومعنى ذلك أن الحوار جماعي في بيت النبوة.ً

وحفلت السنة والسيرة النبوية بنماذج كثيرة من حوار النبي صلى الله عليه وسلم مع أزواجه خاصة مع عائشة، وذلك بسبب تأخر وفاتها وقوة حفظها وتصدرها للحديث وكثرة تلامذتها. مثال ذلك ما روت أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهَا: أَلَمْ تَرَيْ أَنَّ قَوْمَكِ لَمَّا بَنَوُا الْكَعْبَةَ اقْتَصَرُوا عَنْ قَوَاعِدِ إِبْرَاهِيمَ. فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلَا تَرُدُّهَا عَلَى قَوَاعِدِ إِبْرَاهِيمَ. قَالَ: لوْلَا حِدْثَانُ قَوْمِكِ بِالْكُفْرِ لَفَعَلْتُ.” [14] فنرى هنا أنه فاتحها في مسألة إعادة بناء الكعبة وعدم التزام قريش قواعد إبراهيم، ثم إنصاته لها ثم جوابه وتعليل جوابه صلى الله عليه وسلم. وفيه فائدة أخرى وهي الحوار بينه صلى الله عليه وسلم وبين أزواجه في القضايا العامة والحوادث المحتفة السياسية والفكرية وغيرها.

ومن المبادرة بالحوار بقصد التودد ما روت عَائِشَةَ رَضِي اللَّه عَنْهَا قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا: يَا عَائِشَ هَذَا جِبْرِيلُ يُقْرِئُكِ السَّلَامَ. فَقُلْتُ : وَعَلَيْهِ السَّلَامُ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ تَرَى مَا لَا أَرَى.[15] ويلاحظ فيه ترخيمه صلى الله عليه وسلم لاسمها فقال ” يا عائش ” وهذا من أدب الحوار بين الزوجين خاصة، وفيه أيضا جوابها بما يفصح عن رضاها عن زوجها وفرحها بما أخبرها وهي قولها : “تَرَى مَا لَا أَرَى.”

ومن النماذج الرائعة الجميلة المعبرة ما روت عائشة رَضِي اللَّه عَنْهَا قَالَتْ قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : إِنِّي لَأَعْلَمُ إِذَا كُنْتِ عَنِّي رَاضِيَةً وَإِذَا كُنْتِ عَلَيَّ غَضْبَى. قَالَتْ فَقُلْتُ : مِنْ أَيْنَ تَعْرِفُ ذَلِكَ؟ فَقَالَ أَمَّا إِذَا كُنْتِ عَنِّي رَاضِيَةً فَإِنَّكِ تَقُولِينَ : لَا وَرَبِّ مُحَمَّدٍ ، وَإِذَا كُنْتِ عَلَيَّ غَضْبَى قُلْتِ : لَا وَرَبِّ إِبْرَاهِيمَ. قَالَتْ قُلْتُ : أَجَلْ وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا أَهْجُرُ إِلَّا اسْمَكَ.” [16] وفيه من الفوائد معاينة الزوج لزوجه ليعرف غضبه من رضاه، لأن حال الغضب حالة استثنائية يكون فيها ما لا يكون في غيرها، فلابد من معرفة ذلك لأن الكلام مع الزوج وهو غضبان ليس هو نفسه وهو راض. وفيه قوة التواصل وعمق المعرفة التي ينبغي أن تسود بين الزوجين وذلك من فوائد الحوار الهادئ. وفيه أيضا عناية كل من الزوجين باللغة التي يستعملها والمنطق الذي يتواصل به مع الآخر. وفيه تجاوز الزوج عما يصدر عن الآخر في حال الغضب فإنه لا يعتد به ولا يعتبر ولا يرتب آثارا. وفيه الحرص على اختيار اللفظ الجميل والكلام المؤثر في الإفصاح عن مكنون القلب من المودة والمحبة، يتجلى هذا في قول عائشة هنا ” أَجَلْ وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا أَهْجُرُ إِلَّا اسْمَكَ “. أي وإن هجرت اسمك ولم أذكر اسمك بلساني بسبب الغضب، فإنك حاضر في قلبي لا تغيب. وعَنهاْ أيضا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهَا أُرِيتُكِ فِي الْمَنَامِ مَرَّتَيْنِ، أَرَى أَنَّكِ فِي سَرَقَةٍ مِنْ حَرِيرٍ، وَيَقُولُ هَذِهِ امْرَأَتُكَ فَاكْشِفْ عَنْهَا، فَإِذَا هِيَ أَنْتِ فَأَقُولُ إِنْ يَكُ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ يُمْضِهِ.”[17] فحدثها هنا بما كان قبل زواجه بها، ولا شك أن القصد منه المداعبة وترسيخ المودة وتقوية التواصل.

فهذا كله من الحوار العام الذي يتم بين الزوجين يبادر به أحدهما بقصد التواصل الودي، وترسيخ المحبة وتثبيت المودة والتقدير والاحترام.

وأما الحوار الخاص فهو الذي يأتي استجابة لقضية طارئة مخصوصة، مثل ملمة تنزل بأحد الزوجين أو هم يحيط به، فيعرضه على زوجه، أو في حال حصول خلاف بينهما. وينبغي على الزوجين أن يوطنا أنفسهما على اللجوء إلى الحوار كلما حصل خلاف، بحيث يصير ذلك ثقافة لهما ومسلكا يسلكانه تلقائيا. ومن أمثلة الحوار الذي يأتي بسبب هم ينزل بأحد الزوجين خبر بدء الوحي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد دخل على زوجه خديجة ترجف بوادره من الخوف فلما ذهب عنه الخوف فاتحها في أمره فقال لها لقد خشيت على نفسي، فكلمته وأحسنت الكلام.

ومثله ما فعل يوم الحديبية لما أمر أصحابه بالتحلل من الإحرام والحلق فلم يمتثلوا أمره فدخل على زوجه أم سلمة فشكا إليها همه من ذلك. فقد ورد في الخبر : فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ قَضِيَّةِ الْكِتَابِ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَصْحَابِهِ، قُومُوا فَانْحَرُوا ثُمَّ احْلِقُوا. فَو َاللَّهِ مَا قَامَ مِنْهُمْ رَجُلٌ حَتَّى قَالَ ذَلِكَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ. فَلَمَّا لَمْ يَقُمْ مِنْهُمْ أَحَدٌ، دَخَلَ عَلَى أُمِّ سَلَمَةَ فَذَكَرَ لَهَا مَا لَقِيَ مِنَ النَّاسِ، فَقَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ يَا نَبِيَّ اللَّهِ أَتُحِبُّ ذَلِكَ، اخْرُجْ ثُمَّ لَا تُكَلِّمْ أَحَدًا مِنْهُمْ كَلِمَةً حَتَّى تَنْحَرَ بُدْنَكَ وَتَدْعُوَ حَالِقَكَ فَيَحْلِقَكَ. فَخَرَجَ فَلَمْ يُكَلِّمْ أَحَدًا مِنْهُمْ حَتَّى فَعَلَ ذَلِكَ، نَحَرَ بُدْنَهُ وَدَعَا حَالِقَهُ فَحَلَقَهُ، فَلَمَّا رَأَوْا ذَلِكَ قَامُوا فَنَحَرُوا وَجَعَلَ بَعْضُهُمْ يَحْلِقُ بَعْضًا” [18]

أما الحوار في حال الخلاف فإن الغرض منه تعرف كل واحد على نظر الآخر عن طريق الاستماع الهادئ والإصغاء إلى كلامه، مع التزام الجد والصدق من أجل الإقناع. وقد كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم أيضا مسلك في هذا. من ذلك مثلا غيرة عائشة من خديجة من كثرة ما يذكرها الرسول صلى الله عليه وسلم، فعبرت عن كراهتها لذلك. قالت عائشة : كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا ذكر خديجة، أثنى عليها فأحسن الثناء، فغرت يوما فقلت : ما أكثر ما تذكرها حمراء الشدق، قد أبدلك الله بها خيرا منها. قال : ما أبدلني الله عز وجل خيرا منها : قد آمنت بي إذ -كفر بي الناس، وصدقتني إذ كذبني الناس، وواستني بمالها إذ حرمني الناس، ورزقني الله عز وجل ولدها إذ حرمني أولاد النساء”. وفي لفظ آخر أنها قالت له ” كَأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ فِي الدُّنْيَا امْرَأَةٌ إِلَّا خَدِيجَةُ، فَيَقُولُ إِنَّهَا كَانَتْ وَكَانَتْ، وَكَانَ لِي مِنْهَا وَلَدٌ.” فقد أصغى إليها حتى أفصحت عن مكنون قلبها، ثم أجاب بكلام هادئ يقوم على الحجة والصراحة لأن المقام لا يحتمل إلا الصدق والصراحة. لأن مقام خديجة رضي الله عنها ليس مما يمكن أن يتساهل فيه، ولذلك أقام صلى الله عليه وسلم لعائشة الحجة على مكانة خديجة، فذكرها بمواقفها العظيمة في بداية الدعوة فهي أول من آمن به، وصدقته لما كذبه الناس، وآزرته وواسته بمالها، وكان أولاد رسول الله منها. ويكفيها أنه آنسته وآوته لما دخل عليها خائفا بعد بدء الوحي إليه صلى الله عليه وسلم فثبت قلبه فوجد عندها الأنس والسلوان.

وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يغضب لكنه لا يقول إلا خيرا. وقد غضب مرة لما اجتمعت نساؤه يسألنه سعة النفقة، فاعتزلهن شهرا، فَلَمَّا مَضَتْ تِسْعٌ وَعِشْرُونَ لَيْلَةً دَخَلَ عَلَى عَائِشَةَ فَبَدَأَ بِهَا فَقَالَتْ لَهُ عَائِشَةُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّكَ كُنْتَ قَدْ أَقْسَمْتَ أَنْ لَا تَدْخُلَ عَلَيْنَا شَهْرًا، وَإِنَّمَا أَصْبَحْتَ مِنْ تِسْعٍ وَعِشْرِينَ لَيْلَةً أَعُدُّهَا عَدًّا. فَقَالَ الشَّهْرُ تِسْعٌ وَعِشْرُونَ لَيْلَةً فَكَانَ ذَلِكَ الشَّهْرُ تِسْعًا وَعِشْرِينَ لَيْلَةً. قَالَتْ عَائِشَةُ ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى آيَةَ التَّخَيُّرِ فَبَدَأَ بِي أَوَّلَ امْرَأَةٍ مِنْ نِسَائِهِ فَاخْتَرْتُهُ ثُمَّ خَيَّرَ نِسَاءَهُ كُلَّهُنَّ فَقُلْنَ مِثْلَ مَا قَالَتْ عَائِشَةُ.[19] وفي هذا الحوار فوائد منها اللجوء إلى الحوار بمجرد انطفاء الغضب. وفيه تعليم الحوار الهادئ في حال الاختلاف، لأن الله تعالى أمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يخير نساءه بين البقاء معه مع الصبر على حاله والفوز برضوان الله وفضله يوم القيامة أو فراقه إلى غيره ممن له سعة في الدنيا وزينتها، وهذا معنى قوله تعالى : ” يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا، وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا” فاستمع إلهن واحدة بعد أخرى فبدأ بعائشة فاخترن جميعا الله ورسوله. وهذا حوار هادئ قائم على الصدق والاحترام حتى انجلت الغمامة وفض النزاع.

فهذه أنواع الحوار من خلال سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم، في حال الشدة والرخاء، في حال الوفاق وحال الاختلاف، وكلها حوار هادئ هادف. ومعنى هذا أنه ينبغي الحذر من أن يتحول الحوار إلى شجار، لأن الحوار ليس مجرد المراجعة في الكلام، وإنما هو سلوك ومنهج له ضوابط وشروط يكون بها هادئا هادفا يحقق غايته ويصل إلى بالأزواج إلى بر الأمان. فلابد إذن من ضبط ضوابط الحوار وشروطه.

ج – شروط الحوار الهادئ:

بعد الوعي بفائدة الحوار والحاجة إليه، وأنه منهج إسلامي أصله راسخ في القرآن الكريم ومنهجه العملي حاضر في السيرة النبوية، وبعد استيعاب أصوله الكلية وقواعده العامة، تأتي الإجراءات العملية والشروط التطبيقية التي لابد من استيعابها والعمل بها ليكون الحوار حوارا حقا، هادئا يؤتي أكله كل حين بإذن ربه. ويمكن جمع شروطه وضوابطه فيم يلي :

1 – معرفة كل طرف بخصائص الطرف الآخر وطباعه: فإن حكمة الله تعالى اقتضت تنوعا في الصفات والطباع النفسية بين الرجل والمرأة حتى يحصل التكامل والانسجام بينهما. فلا يجوز للرجل أن ينزل زوجته منزلته في تصرفه وسلوكه وأسلوب تفكيره وطريقة محادثته، والأمر كذلك بالنسبة للمرأة. وإنما المطلوب أن يزل كل واحد غيره منزلته، ويتعامل معه على أساس طبيعته وصفاته. وهذا إنما يحصل بمعرفة كل بالآخر، فتستوعب المرأة معنى الذكورة وصفاتها، ويستوعب الرجل معنى الأنوثة ومقتضياتها ولوازمها.

ولهذا نجد الرسول صلى الله عليه وسلم يغتنم كل مناسبة سانحة للتعريف بصفات الرجل وصفات المرأة.فقد وردت عنه أحاديث كثيرة في بيان أحوال النساء خاصة من جهة الرقة واللين مما يوجب أن تكون المرأة في محل العطف والرعاية والحدب والصيانة بسبب حرارة عواطفها وقوة مشاعرها القلبية. من ذلك تشبيهه المرأة بالزجاج في حاجتها إلى بالغ الرعاية ووافر العناية. فالزجاج يجمل حياة الإنسان، وهو ضعيف مرهف بطبيعته، لذلك يحوطه ألإنسان بالحفظ فلا يضعه إلا في الموضع المناسب الذي يحفظ سلامته وصحته. فالمرأة أيضا بطبيعتها مرهفة الإحساس والشعور ورقيقة العواطف وذلك من جمالها وحسنها. يقول أنس بن مالك كان للنبي حاد يقال له أنجشة وكان حسن الصوت، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : “رويدك يا أنجشة لا تكسر القوارير[20] وغرض النبي صلى الله عليه وسلم هنا أن يعرف الرجال بخصائص النساء في رقتهن وقوة عاطفتهن.

وفي هذا السياق أيضا قال صلى الله عليه وسلم : ” اسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ فَإِنَّ الْمَرْأَةَ خُلِقَتْ مِنْ ضِلَعٍ، وَإِنَّ أَعْوَجَ شَيْءٍ فِي الضِّلَعِ أَعْلَاهُ، فَإِنْ ذَهَبْتَ تُقِيمُهُ كَسَرْتَهُ وَإِنْ تَرَكْتَهُ لَمْ يَزَلْ أَعْوَجَ فَاسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ.” [21] فالقصد تنبيه الرجل إلى صفة الرقة في المرأة وحاجتها إلى المداراة الجميلة وأن طبيعتها لا تناسب قوة الجد التي في الرجل، فلا يمكنه حملها على ما هو عليه من طبيعة الشدة. فالغرض من هذا ومثله من الأحاديث بيان حاجة كل زوج إلى معرفة خصائص الآخر حتى يحصل التواصل المطلوب ويتم الحوار المرغوب. وقد فصلت الدراسات المعاصرة ما أجمل في الأحاديث النبوية من صفات الرجل والمرأة، وأرى من المناسب ذكر خلاصة جامعة لذلك. أما بالنسبة للرجل فإن صفاته التي ينبغي أن تأخذها زوجته بعين الاعتبار هي :

  • إن الرجل يميل إلى السكون وقلة الكلام، ولا يتكلم إلا لهدف معين، والراحة بالنسبة له في عدم الكلام.
  • يؤثر عدم التحدث عن مشاكله إلا في حال البحث عن حل عند من يأنس منه الخبرة.
  • يجد صعوبة في التعبير عن مشاعره لأن ذلك يشعره بأن كيانه ومقامه مهدد.
  • يتكلم الرجل بلغة واقعية ويختار كلماته بدقة، مع البعد عن لغة العاطفة.
  • أما الزوجة :
  • إن الحوار والتواصل عند المرأة حاجة نفسية أي أنه يلبي حاجة في نفسها. فهي تشعر بقيمتها الذاتية من خلال إشباع حاجة الحوار لديها مع زوجها.
  • تستروح كثرة الكلام داخل البيت من غير إعارة اهتمام لموضوع الكلام مهما كان تافها. فالحياة بالنسبة للمرأة عبارة عن اتصال ودي ومحاولة خلق جو ملؤه التواصل، والكلام هو أفضل وسيلة، فتظهر أنها تختلق الكلام حتى ولو لم يكن هناك شيء مهم.
  • تستخدم المرأة لغة العاطفة، فغالبا ما تستخدم عبارة: ” أنا أحسّ، أشعر..” وعندما تتكلم تطلق أحكاما عامة شمولية ولا تقصد سوى المبالغة في التعبير عن شعورها. وقد مثل الرسول صلى الله عليه وسلم للأحكام المطلقة التي تصدرها المرأة بقوله : ” لو أحسنت إلى إحداهن الدهر كله ثم رأت منك شيئا قالت ما رأيت منك خيرا قط. فمثل هذه الأحكام لا ينبغي أن يأخذها الزوج على مقاسه المنطقي والواقعي وإلا تحرك غضبه.
  • في حال الحوار فإن المرأة قد لا تراعي الوحدة الموضوعية فتنتقل من موضوع إلى آخر .

فمراعاة هذه الخصائص شرط للحوار الهادئ بين الزوجين، فيحاور كل واحد مع مراعاة خصائص الآخر.

2 – معرفة آداب الحوار والتزامها: فالحوار، كما سبق، ثقافة وفن وصناعة لابد من الحرص على إتقانه حتى يكون جمالا للحياة وزينة. فالحوار الهادئ لابد فيه من جميع آداب التواصل وضوابط الكلام من حسن الإصغاء وجميل الإنصات، واستجماع جميع وسائل الحوار وتوجيه جميع الحواس إلى الزوج من النظر، والسمع، والكلام، والحركة، واللمس، ونبرة الكلام. ويتقى السخرية والاستهزاء، والتظاهر بالمعرفة أكثر من الطرف الآخر، من غير الغفلة عن حسن اختيار مكان الحوار. وفي حقيقة الأمر فإن جميع أخلاق الإسلام هي في جوهرها مسلك لتسديد الحوار وضمان التواصل الهادئ الناجح. فالأخلاق إنما وجدت للتواصل مع الغير، ولا تظهر آثار الأخلاق إلا في حال المعاملة مع الغير والتواصل معه. ولا أحد أولى بمعاملته بحسن الخلق من الزوج ولهذا قال صلى الله عليه وسلم : : ” خيركم خيركم لأهله[22] وباستعراض جميع أصناف الخلق نجده من آداب الحوار الهادئ الناجح. فالحياء، والعفو، والصفح، وكظم الغيظ، ولين الكلام،كلها أسباب للحوار الهادئ. ويتأكد في الحوار خلق اللسان وآداب المنطق وشروط البيان. إن خاصية البيان في الإنسان والقدرة على الكلام والتواصل نعمة عظيمة يجب شكرها، وشكر النعمة إنما يتم باستعمالها في طاعة الله. ومن شكر نعمة الكلام محاورة الزوج بالتزام آداب الكلام وأخلاق اللسان. وضابط ذلك قول الله تعالى : ” الرَّحْمَانُ عَلَّمَ الْقُرْآنَ خَلَقَ الْإِنسَانَ عَلَّمَهُ الْبَيَانَ ” فهو تعالى علم الإنسان البيان أي منحه القدرة على الكلام والتواصل وإبداع اللغات والألسنة، فوجب شكره تعالى على هذه النعمة. ومن أساء استعمال البيان فقد كفر النعمة. وقول الله تعالى : ” أَلَمْ تَرَى كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ ُتؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ، وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ مَا لَهَا مِنْ قَرَارٍ يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاء (إبراهيم:22 26).

ومن عناية الرسول صلى الله عليه وسلم بضبط منهج الكلام في الحوار بين الزوجين خاصة قوله صلى الله عليه وسلم : ” لَا يَحِلُّ الْكَذِبُ إِلَّا فِي ثَلَاثٍ : يُحَدِّثُ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ لِيُرْضِيَهَا، وَالْكَذِبُ فِي الْحَرْبِ وَالْكَذِبُ لِيُصْلِحَ بَيْنَ النَّاسِ[23]وليس القصد من الكذب هنا قلب الحقيقة وتزويرها إنما القصد التنبيه إلى ضبط الكلام في الحوار بين الزوجين، وإجراء الكلام على الصفة التي لا يكون بها جافا أو جارحا.

3 – الحذر من معوقات الحوار : فهناك عوارض ومعوقات تشوش على الحوار، إذا لم تتقى قد يتحول الحوار إلى شجار. ومن أخطر معوقات الحوار الهادئ الغضب. وإنما يتقى الغضب من خلال تعلم أحكام الغضب في السنة النبوية، واعتباره عدوا يتقى شره ويحذر خطره، وإن الغضب كما يقال ” ريح إذا هبت أطفأت أنوار العقل وعطلت إشراقات القلب: ” فهو قبح وشناعة. وما أعظم وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم لما قال : ” لا تغضب ” فرددها مرارا.[24] وفي هذا المعنى أيضا يقول : ” لَيْسَ الشَّدِيدُ بِالصُّرَعَةِ إِنَّمَا الشَّدِيدُ الَّذِي يَمْلِكُ نَفْسَهُ عِنْدَ الْغَضَبِ[25] وبعد استيعاب هذا المعنى واستحضاره، تتبع القواعد العملية لاتقاء آثار الغضب كما وردت في السنة النبوية من تغيير الهيئة، والوضوء والفرار إلى الصلاة وذكر الله تعالى…

ومما يتعلق بالحوار في شأن الغضب توطين كل واحد من الزوجين نفسه وترويض عقله على عدم اتخاذ أي قرار في حال الغضب، وتعلم تأجيل كل ذلك إلى حال الهدوء. ومثله ما عبر عنه الرسول صلى الله عليه وسلم لما قال : ” لا يقضي القاضي وهو غضبان”. ويلحق بالغضب معوقات أخرى للحوار وهي كل حالة يضطرب فيها المزاج مثل الخوف والتعب، فيراعى أولا أن يزول الخوف ويذهب التعب، فيتم تأجيل الحوار إلى حين زوال هذه الأحوال. فإذا حف الغضب أو الخوف بأحد الزوجين فالمطلوب من الآخر عونه على زواله وتوفير الظروف النفسية والمادية لذلك. فانظر مثلا إلى خديجة رضي الله عنها لما دخل عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم خائفا ترجف بوادره عمدت أولا إلى التماس كل ما يذهب عنه الخوف فألقت عليه رداء وآنسته برقتها وكلامها فلم ينطلق الحوار بينهما إلا بعد أن استرجع أنفاسه وذهب عنه الروع. وهذا معنى ما ورد في الحديث :” فَزَمَّلُوهُ حَتَّى ذَهَبَ عَنْهُ الرَّوْعُ“. [26]

  • مراعاة درجات الحوار : أي إن الزوجين يحرصان على تدبير أمرهما وخلافها منفردين، ولا يدخل معهما غيرهما في ذلك. وإن حرصا على ذلك ولم يصلا إلى نتيجة، أو تعذر الحوار أصلا لسبب من الأسباب، فلابد من الانتقال إلى مرحلة تالية وهي مرحلة التحكيم وهو حوار آخر داخل دائرة أوسع وهي دائرة أسرة الزوج وأسرة الزوجة، فينعقد حوار آخر بين أسرتي الزوجين فيه ممثل عن أسرة الزوج وممثل عن أسرة الزوجة ويراعى فيهما الدين والصلاح والفهم والفطنة. وجعل الشارع قصدا واحدا لهذا الحوار وهو الإصلاح بين الزوجين فقال تعالى : ” وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها إن يريدا إصلاحا يوفق الله بينهما إن الله كان عليما خبيرا “(النساء: 35) فغرض الحكمين ليس إصدار الأحكام الباتة وإنما القصد إلى الإصلاح. ولهذا قال تعالى هنا ” إن يريدا إصلاحا يوفق الله بينهما “.

ومعنى هذا أن أسرة الزوجين وخاصة الأبوين يجعلان خبرتهما رهن إشارة الزوجين. فكل أب وكل أم يتولى رعاية ابنه أو ابنته ويحرص على دوام عشرتهما، وهذا من حكم المحافظة على صلة الرحم وفوائدها وخاصة الرحم القريبة مثل الوالدين. وقد ضرب الرسول صلى الله عليه وسلم المثل الأعلى في هذا فكان يتفقد أحوال بناته مع أزواجهن على الدوام ويرعى شؤونهما، ويتحين فرص فتح الحوار، ويصلح بينهما. فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال دخل رسول الله على علي وفاطمة وهما جالسان يضحكان، فلما رأيا رسول الله سكتا، فقال لهما ما لكما كنتما تضحكان فلما رأيتماني سكتما. فبادرت فاطمة رضي الله عنها فقالت: بأبي أنت يا رسول الله قال هذا : أنا أحب إلى رسول الله منك، فقلت بل أنا أحب إلى رسول الله منك، فتبسم رسول الله وقال : يا بنية، لك رقة الولد، وعلي أعز علي منك؟ . ” [27] وعن عمرو بن سعيد قال كان في علي على فاطمة شدة فقالت والله لأشكونك إلى رسول الله فانطلقت وانطلق علي بإثرها فقام حيث يسمع كلامها، فشكت إلى رسول الله غلظ علي وشدته عليها فقال : يا بنية اسمعي واستمعي واعقلي، إنه لا إمرة بامرأة لا تأتي هوى زوجها، وهو ساكت. قال علي فكففت عما كنت أصنع وقلت والله لا آتي شيئا تكرهينه أبدا. وعن حبيب بن أبي ثابت قال كان بين علي وفاطمة كلام…فدخل رسول الله فأخذ بيد علي فوضعها على سرته، وأخذ بيد فاطمة فوضعها على سرته، ولم يزل حتى أصلح بينهما، ثم خرج فقيل له دخلت وأنت على حال وخرجت ونحن نرى البشر في وجهك قال : وما يمنعني وقد أصلحت بين أحب اثنين إلي. ومرة أخرى جاء النبي صلى الله عليه وسلم إلى بيت فاطمة فلم يجد عليا في البيت فقال أين ابن عمك، فقالت كان بيني وبينه شيء فغاضبني فخرج فلم يقل عندي، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لإنسان أنظر أين هو فجاء فقال يا رسول اله هو راقد في المسجد، فجاء رسول الله وهومضطجع قد سقط رداؤه عن شقه وأصابه تراب فجعل رسول الله يمسح التراب عنه ويقول : قم أبا تراب.” [28] وفي كل هذه الأخبار من الفوائد تفقد الوالد أحوال ابنه مع زوجه والحرص على حسن عشرتهما وتيسير سبل التواصل والحوار بينهما والإصلاح بينهما. [29]

إن الحوار بين الزوجين منهج شرعي أصله في القرآن الكريم وتفصيله في السنة النبوية وسيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم العملية. فإن وصايا رسول الله في موضوع العلاقة الزوجية، وتصرفاته مع أزواجه – عند تدبرها – تجدها كلها تحمل من بين ما تحمل من المعاني ترسيخ الحوار الهادئ بين الزوجين. ففي قول عائشة وقد سئلت عن حال رسول الله في بيته فقالت : “كان يكون في مهنة أهله. يعني خدمة أهله “[30] ففي كلامها هذا الكثير من المعاني الجامعة للمداعبة والمحاورة، فإن من لوازم المشاركة في مهام البيت المحاورة بل هو نوع من الحوار . وفي قوله صلى الله عليه وسلم ” واستوصوا بالنساء خيرا[31] معنى ترسيخ الحوار بين الزوجين لأنه من لوازم حفظ وصيته صلى الله عليه وسلم.

إن الحوار بين الزوجين طاعة لله عز وجل وقربى إليه تعالى، وفيه جمال للحياة وزينة للأسرة، لأن به تحفظ العشرة الزوجية، وتتقى نوازع الشر، مع ما فيه من الفوائد الأخرى من إثارة التفكير وتنشيط العقل وتهييج التدبر وترسيخ حسن الاستماع وتعليم سنة تدبير الخلاف، فهو دليل نضج في التفكير وسلامة فهم في الدين وعلامة خشية رب العالمين.

 

[1] – ” صحيح البخاري ” كتاب الأنبياء، باب ” واذكر في الكتاب مريم إذ انتبذت من أهلها”

[2] – ” صحيح البخاري ” كتاب الشروط، بَاب الشُّرُوطِ فِي الْجِهَادِ وَالْمُصَالَحَةِ مَعَ أَهْلِ الْحَرْبِ وَكِتَابَةِ الشُّرُوطِ *

[3] – ينظر : ” العلاقات الإسلامية النصرانية في العهد النبوي ” للدكتور فاروق حمادة ص 118 – 119 . ط1 – 1426 – 2005 . دار القلم.

[4] – نفسه ص 116 – 117 .

[5] – ” صحيح البخاري ” كتاب الخصومات، بَاب مَا يُذْكَرُ فِي الْإِشْخَاصِ وَالْخُصُومَةِ بَيْنَ الْمُسْلِمِ وَالْيَهُودِ *  ” صحيح مسلم ” كتاب الفضائل، باب من فضائل موسى.

[6] – ” صحيح البخاري” كتاب أحاديث الأنبياء، بَاب وَفَاةِ مُوسَى وَذِكْرِهِ بَعْدُ.

[7] – ” صحيح البخاري ” كتاب الجنائز، باب إذا اسلم الصبي فمات. .

[8] – ” صحيح البخاري ” كتاب الجنائز، بَاب مَنْ قَامَ لِجَنَازَةِ يَهُودِيٍّ *.

[9] – ” صحيح البخاري ” كتاب الجنائز، باب ما جاء في عذاب القبر.

[10] – ” صحيح البخاري ” كتاب الأدب، باب الرفق في الأمر كله.

[11] – ” صحيح البخاري ” كتاب الأدب، باب الكبر.

[12] – ” صحيح البخاري ” كتاب الأدب، باب جعل الله الرحمة مائة جزء.

[13] – ” صحيح البخاري “كتاب الصلاة، باب الصلاة في البيعة.

[14] – ” صحيح البخاري ” كتاب الحج، باب فضل مكة وبنيانها.

[15] – ” صحيح البخاري ” كتاب المناقب، باب فضل عائشة.

[16] – ” صحيح البخاري ” كتاب النكاح، بَاب غَيْرَةِ النِّسَاءِ وَوَجْدِهِنَّ *

[17] – ” صحيح البخاري ” كتاب المناقب، باب تزويج النبي عائشة.

[18] – ” صحيح البخاري ” كتاب الشروط، بَاب الشُّرُوطِ فِي الْجِهَادِ وَالْمُصَالَحَةِ مَعَ أَهْلِ الْحَرْبِ وَكِتَابَةِ الشُّرُوطِ *

[19] – ” صحيح البخاري” كتاب النكاح، بَاب مَوْعِظَةِ الرَّجُلِ ابْنَتَهُ لِحَالِ زَوْجِهَا.

[20] – ” صحيح البخاري” كتاب الأدب، باب المعاريض مندوحة عن الكذب.

[21] – ” صحيح البخاري ” كتاب أحاديث الأنبياء، باب خلق آدم.

[22] – جامع الترمذي، كتاب المناقب، باب فضل أزواج النبي صلى الله عليه وسلم.

[23] – ” جامع الترمذي” كتاب البر والصلة، باب ما جاء في إصلاح ذات البين.

[24] – ” صحيح البخاري ” كتاب الأدب ، باب الحذر من الغضب.

[25] – ” صحيح البخاري ” كتاب الأدب، باب الحذر من الغضب.

[26] – ” صحيح البخاري “كتاب بدء الوحي، باب كيف كان بدء الوحي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.

[27] – ” أخرجه الطبراني. مجمع الزوائد ومنبع الفوائد 9 ص 202 .

[28] – ” صحيح البخاري ” كتاب الصلاة، باب نوم الرجال في المسجد.

[29] – ينظر ” آباء وأبناء ” للدكتور فاروق حمادة ص 298 – 301 .

[30] – صحيح البخاري، كتاب الأذان، بَاب مَنْ كَانَ فِي حَاجَةِ أَهْلِهِ فَأُقِيمَتِ الصَّلَاةُ فَخَرَجَ *

[31] – صحيح البخاري، كتاب النكاح، باب الوصاة بالنساء

تعليق واحد

  1. أجدت وأفدت أستاذي الكريم….فالحوار بين الزوجين يبني جسورا من الثقة والتفهم ويوفر أرضية مشتركة للعطاء الأسري ومحضنا صحيا للنشء ويسد منفذا خطيرا للتنافر و التباغض بين الزوجين، كما قال صلى الله عليه وسلم : “لا يفرك مومن مومنة إن كره منها خلقا رضي منها آخر”,

زر الذهاب إلى الأعلى